ما الذي يجري في درعا البلد؟ الموت وقوفا إن استطاعوا سبيلا

محمد العويد

صحفي سورى

حجم التحشيد العسكري

كيف يمكن فهم آليات ودوافع التحشيد في قوات النظام السوري، باتجاه درعا البلد أولا، ثم بقية مدن حوران، شرقا بصرى الشام، وغربا طفس، وصولا لقرية كويا على خطوط فض الاشتباك السوري الإسرائيلي، الموقع بين الطرفين عام 1947

التحشيد العسكري غير المسبوق، بتعداد يتجاوز  قوامه ال60 ألف عسكري، عبر الفرقة الرابعة والخامسة عشرة والتاسعة، وآليات عسكرية ثقيلة، مدافع هاون، ودبابات وصواريخ الفيل، لا ينقصه سوى التغطية الجوية الروسية، لسحق كامل مدن وبلدات حوران، وكأنها رسالة أريد منها، إنهاء لأية مظاهر لحياة سياسية، تقف مضادة لخط النظام السوري، والتي دأب على إجهاضها منذ تسلمه السلطة، برفع شعار” لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” تلك المحددة من قبله، وحسب رؤاه، وبما يخدم استمراره، وسحق كل معارضيه، وهو ما أكده عقب انطلاقة الثورة السورية، فمرت قواته عابرة جميع القرى والمحافظات السورية، حتى تلك التي لم تصلها خدماته في البنى التحتية.

إذا كانت الفرضية المتداولة، أن القرار ذاتي الصنع في مركز القرار السوري، فتبدو استمرار لمعاركه السابقة، ثم بهدف الإقصاء من ذاكرة السوريين، آخر ذواكرهم الوجدانية، بانطلاقة ثورتهم من درعا البلد عشية الثامن من آذار 2018 ، ولتصل رسائل القوة، لمن يتهيأ شرق حوران كالسويداء، وصولا إلى شمال سورية وشرقها ووسطها، فظروف المعاناة والتردي الاقتصادي والسياسي، عوامل قد تؤسس لموقف من السلطة، كما أنجزت درعا، موقفها الرافض لانتخابات الأسد، والهتاف سلميا للثورة، وهذا يستوجب الحساب.

لكن نوعية التحشيد العسكري، لا تتساوى بأي شكل مع مطالب النظام ذاته، والتي تركزت على تسليم عشرات القطع من السلاح الخفيف غير المشمول باتفاقية التسوية، برعاية الضامن الروسي منتصف 2018، وتهجير أو تسليم بعض المقاتلين السابقين في فصائل المعارضة سابقا قبل انهيارها، إضافة لإدعائه بضرورة ضبط أمن المحافظة، وهو ما أعلنه منتصف الشهر الثاني من العام الجاري، تصريح عبر جريدة البعث السورية، لرئيس اللجنة الأمنية في المحافظة حسين الرفاعي.

إذا صدقت هذه المطالب، فإنها تعني أن الدور قادم على السويداء تاليا، لتشابه المعطيات أولا، وتزايد حالة الفلتان الأمني، وانتقالا إلى بقية المدن، بما فيها العاصمة دمشق، والتي تشهد بعض الاغتيالات بين الحين والآخر.

إشكالية القوى المستعدة للهجوم على درعا البلد، تشي أن القرار أوسع، ويستهدف أبعد من إخضاع مدينة رغم رمزيتها، فالفرقة الرابعة، المنضوية شكلا تحت قوى جيش النظام السوري، أقرب مضمونا وارتباطا بالتوجيهات الإيرانية وأهدافها، وهو ما قاله بعض الضباط والجنود الأسرى خلال الأيام السابقة.

هدف إيران، من خلخلة الوضع جنوبا؟.

العمل لإحراز أوراق تفاوض جديدة، تكون جاهزة حين الاستحقاق، وإن تأخر ما ترغب به، فالأصل أن المشروع الإيراني، أراد من الجنوب السوري، حلما يشابه تجربة حزب الله اللبناني ، فيصيد أكثر من عصفور بحجر الجنوب السوري، مهددا إسرائيل على مرماه، وملوحا باتجاه الخليج العربي عبر بوابة حوران المتاخمة للحدود الأردنية، وهذا ما يفسر لغايته عدم القبول الروسي، بتحولات عميقة الدلالة في المشهد الجنوبي، بما يتعارض مع رغبة حلفاءه سواء في إسرائيل أو عربيا.

كما أن مثل هذه المغامرة الإيرانية، حتى وإن حققت غايتها، فإنها “تطيح” بكل الجهد الدبلوماسي الروسي، وتفقده ثقله الدولي، كمحاور وضامن وشريك في التسوية السياسية السورية قادما، وهو ما عبر عنه السفير الروسي لدى واشنطن مؤخرا، بالإشارة لجهود ولجان مشتركة مع واشنطن، للدفع بالتسوية قدما، كما لم يجف حبر أوراق مؤتمر عودة اللاجئين، الذي دعت له موسكو في دمشق قبل أيام، وليس انتهاء بتصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مع مبعوث الأمم المتحدة جير بيدرسون والتشديد على الدفع بالعملية السياسية، عبر إعادة إحياء اللجنة الدستورية، كل ذلك تذروه طهران بمغامرة، لم تنسق لها مسبقها مع حليفها الروسي، بما يعزز فرضية بقاء الدور الروسي لغايته، في صورة الراغب بإنهاء المشهد جنوبا دون الانفجار المحتمل.

الثابت لدى موسكو وعواصم الغرب وجوار حوران، أن لا فصائل، وقوة عسكرية يمكن الركون عليها، والذهاب لدعمها، لتحرز من خلالها توازنات أو ضغوط وأوراق لطاولة التفاوض القادمة، وليس أصدق من رسالة “الواتس” الأمريكية والتي تخلت قبيل تسوية 2018 عن أي دعم للفصائل في الجبهة الجنوبية، وكانت تقارب ال100 ألف مقاتل، ولديهم الأسلحة الثقيلة، فمن يغامر اليوم بقوى شبابية غير مهيكلة ومنظمة، وتفتقر لأبسط قواعد العمل العسكري، وعموم المحافظة تحت المراقبة “المجهرية” الروسية منذ التسوية، فيما الحصار يشتد على درعا البلد منذ ما يقارب ال40 يوما، فتغلق النقطة الطبية الوحيدة بها، وتحاصرها جنوبا المليشيات المحلية التابعة للأمن العسكري السوري ممثلة بقوات الكسم، فيما شرقها تمتد سيطرة قوات اللواء الثامن بقيادة أحمد العودة، الموسوم تحت التبعية أو الرعاية الروسية، فيما غربها كانت قد دخلت قوات الشرطة العسكرية الروسية، ووضعت الحواجز العسكرية بوسط المدن والبلدات من طفس إلى المزيريب واليادودة، و يحد درعا البلد شمالا، مركز مدينة درعا ” عقر دار النظام” وهذا يفرض السؤال الملح من أين تحركت القوة في حوران، والى ماذا تستند في موقفها التفاوضي؟.

لم تتضح هوية المنضوين في اللواء الثامن طيلة السنوات الثلاث الماضية، فإن بدا قائدهم حليفا للروس، ويقبل تعليماته، فجميع العناصر ال1800 هم من أبناء الفصائل سابقا، ولم يبرد جرحهم وموقفهم تجاه النظام السوري، وحليفه الايراني، وتبدو المخاوف قائمة من أية لحظة انقلاب، تؤدي بكل ما عمل لأجله الروسي في المنطقة الشرقية، ويدركه” العودة” ذاته، حائرا بين التكتيكي، فيقف ضد النظام وحليفه الإيراني، وينحاز لأبناء محافظته، فيوقف اجتياح بعض المدن، في تواريخ سابقة، وبين الاستراتيجي بالتحالف مع الروسي، وقبوله بمحاربة الإرهاب، في مناطق خارج المحافظة، وكانت بلدات أم المياذن وصيدا والسهوة، أول المستجيب لدعوات درعا البلد بالتحرك، فأسرت عناصر النظام المتواجدة وسط هذه المدن بلا حماية تذكر.

في الشمال الحوراني الأكثر كثافة، بالوجود والسيطرة العسكرية للنظام السوري، حيث تنتشر الألوية والفرق العسكرية، وافق على التهجير غالبية قادة الفصائل العسكرية المعارضة سابقا، لكن الشباب غير المعروف، والأكثر اكتواء بنار النظام السوري وحليفه الإيراني، لم يبرد جرحه بعد، سيما بغياب تطبيق شروط التسوية، سواء لجهة الإفراج عن المعتقلين، وعودة المدنيين إلى وظائفهم السابقة، وصولا لحالة الموت السريري بفعل الانهيار الاقتصادي وغياب أية آمال لانخراطهم بجبهات العمل، فبقيت مفاعيل الثورة مستمرة معهم، لإيمانهم مطولا بها، واعتيادهم، وغياب البدائل الممكنة.

غربا في منطقة اليرموك وحولها زاد الحضور الإيراني ومشاريعه في تشييع المنطقة، وتغلغلت الفرقة الرابعة في عموم البلدات، إلتحق مئات الشباب بصفوفها عبر التسويات، التي استثمر بها الإيراني، وحسن من شروطها، فأشعل الموقف لدى فئات واسعة، بالموقف المضاد، رفضا للمشروع، وبحثا عن الخلاص، وتمسكا بمبادئ الثورة، التي أخذت سنواتهم العشر الأخيرة، فزادتهم الضغوط صلابة، وعلمتهم التجربة المريرة، العمل كمجموعات فردية، دون روابط تتيح التوسع، لكنها تلتقي في المواقف الجماعية لحوران ومدنها، كما بدا من حضورهم قبل التسوية بمدينة طفس.

 درعا البلد ذاتها، أي خيارات بيدها، وما إمكانية صمودها، وقدرتها على المواجهة؟

يجمع ممثلو عوائلها ولجنتها المركزية في التفاوض، ” لا نريد الحرب، ولا نرغب بالموت لنا أو لغيرنا، لكننا نريد العيش بكرامة، أو الموت معها، أو التهجير الجماعي”. فيديو بثه أهالي البلد أمام هذه المطالب توحد شارعها خلف ممثليه، ورغم اشتداد الحصار عليهم، وبدء محاولات اجتياحها المتكررة، والقصف بين جولة مفاوضات وأخرى، لكنهم يظهرون موقفا ثابتا حتى اللحظة برفض تهجير أي من أبناءهم وتسليم السلاح الفردي،

ووضع حواجز للنظام السوري بين حاراتهم وساكنيهم، فيما يستبسل أبناءهم في مواجهة غير متكافئة، يأخذهم أمل وحيد أن تتحرك مدن الريف الحوراني عامة عصيانا ورفضا ومظاهرات ففي ذاكرتهم القريبة ذات المشهد عشية حصارهم بداية الثورة، وقدوم آلاف الشباب من مدن شرق حوران، وغربها وشمالها لفك الحصار، صحيح أنهم لم يستطيعوا ذلك، وقتل منهم المئات، لكنهم أشعلوها ثورة امتدت إلى اليوم، فهل يعيد التاريخ نفسه، وإن لم يفعل، فلا يبدو لديهم خيار الموت وقفا، مرفوضا وعصيا، طالما رأوا مشاهد الموت مستمر للخانعين.

شاهد أيضاً

بوليفيا تقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.. وتشيلي وكولومبيا تستدعيان سفيريهما للتشاور

أعلنت وزارة الخارجية في بوليفيا،  الثلاثاء، أن الحكومة قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل متهمة …

تعليق واحد

  1. مقال جميل وهادئ فيه الكثير من المعلومات المهمة عن القوى الموجودة على الارض وتحليل منطقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *