مهزلة المشاركة في انتخاب طاغية مستبد وديكتاتور..من هو؟

أحمد الرمح

انتخاب رئيس البلد والبرلمان حقٌّ لكل مواطن في دساتير العالم كلّها، يمارسه المواطن منتخبًا من يحمل برنامجًا انتخابيًا يحقق له كثيرًا من طموحاته. لكن في ظل الانتخابات المقرر إجراؤها في سورية، لاختيار رئيس يقود البلد في المرحلة القادمة، وطبعًا ستكون من نصيب بشار الأسد؛ يأتي سؤال:

ما صفات هذا الرجل الذي سينتخبه المستضعفون السوريون في مناطق سيطرة نظام؟

لنعدّد صفات هذا الرئيس الذي يتجاهل مطالب شعبٍ ثار عليه، والذي يفرض نفسه بالتزوير الانتخابي، وسيخرج بضحكته البلهاء ليلقي خطاب الفوز.

1ـ رئيس مستبد

الاستبداد هو استغلال السلطة من قبل المستبد بطريقة متوحشة ضد شعبه، ليحرمه من أبسط حقوق المواطنة، كالعيش بحرية وكرامة وعدالة اجتماعية، وبذا تتضخم فكرة الاستبداد بالرأي عند المستبد، فتطغى الفردانية في الحكم، ويصبح هو القانون بعينه، فيُفَصَّل له دستور وقانون يتناسبان مع انحرافاته الاستبدادية. لتتشكل مع الأيام دكتاتورية مطلقة لا تعترف بمعارضة ولا تقبل بوجودها، ودائمًا أسلوب المستبد وسلوكه الإرهاب والعنف مع الجميع، كوسيلة من وسائل حكمه، كي لا يفكر أحدٌ في الخروج من صندوق الاستبداد، ولا الخروج عن طاعة ورغبات المستبد، الذي يبسط طغيانه على من يوافق على أسلوب حكمه، من الذين يتصفون بالخوف ويخافون التغيير، وكلّ الصفات المذكورة آنفًا حول الاستبداد والدكتاتورية تنطبق على طاغية الشام، فكيف ننتخبه؟!

2ـ مقارنات انتخابية

ألا يحق لنا -السوريين- أن نعيش كالبشر، ونحلم بحاكم، نستطيع محاسبته إنْ أخطأ، أم أنّ هذا الحلم ممنوع في شرقنا البائس؟ ألم يعلّمونا أن الحاكم أجير للشعب؟ وموظف عنده؟ بالرغم من أننا قلّما قرأنا في تاريخنا عن حاكم بهذه الصفات، حيث يعج تاريخنا بحكام طغاة متألهين على شعوبهم! أسسوا لدكتاتوريات قبل أن يولد مصطلح الدكتاتورية ذاته.

ومتى يكون للناخب كل الحق في استمرار هذا الرئيس أو إنهاء مهامه؟ ونستون تشرشل قاد بريطانيا في أصعب مرحلة في تاريخها أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث كانت قوات هتلر تقصف بريطانيا، وتقف على أسوارها، وكان “تشرشل” أستاذًا في الحكمة والسياسة، وقد جعل بلاده تصمد أمام النازية فلا تنهار، وكانت خطاباته عامل طمأنينة للشعب، ليقود بلاده في النهاية إلى نصر عالمي، وفي أيار/ مايو 1945، أعلن تشرشل خطاب النصر للشعب البريطاني، ثم في تموز/ يوليو من العام نفسه، بدأت الانتخابات في إنكلترا، لكن الشعب البريطاني لم ينتخب الرجل الذي قاده إلى النصر وحمى البلاد! وسقط تشرشل في الانتخابات، وعلل الشعب ذلك بقوله: إن تشرشل يصلح لزمن الحرب لا زمن السلم؟

أما بشار الأسد، فلم يكن صالحًا لا لزمن الحرب، حيث إن الطيران الإسرائيلي يسرح ويمرح منذ سنوات في سماء سورية منتهكًا سيادتها بشكل فاحش ويضرب الأهداف التي يبتغيها، حتى عبارة “سنرد في الزمان والمكان المناسب” لم نعد نسمعها! ولا لزمن السلم، فقد فشل في صنع سلام مع الشعب، ليصبح في عهده نصف شعبه نازحًا ومهجرًا في بلدان وقارات العالم، بسبب سياساته الرعناء واستبداده! وهذا حدثٌ لم تشهده سورية لا في تاريخها القديم ولا الحديث! فكيف ننتخب الطاغية؟!

3ـ الدكتاتور ولعبة الانتخابات

جمعني لقاء في “فيينا” بأستاذ للفلسفة السياسية، وهو ألماني من أصول سورية، يعمل على إعداد مشروع إعادة إعمار سورية بتكليف من الاتحاد الأوروبي، فروى لي الحادثة التالية: “تلقيتُ دعوة من الرئاسة السورية للقاء بشار الأسد في دمشق نهاية عام 2011، وطرحتُ رؤيتي للخروج من الأزمة، ثم ذهبنا معه إلى الغداء. ووجّه لي سؤالًا: كيف ترى الحل لوقف التظاهرات؟ فقلتُ له: تدعو إلى انتخابات مبكرة، يشارك معك فيها بعض الشخصيات المعارضة، ثم يكون لك الفوز فيها بنسبة 60% أو أكثر قليلًا. فأجابني فورًا: 60% فقط!! انتهى اللقاء”. كان تعليقه على مقترحي مثل طردٍ بطريقة دبلوماسية.

هذه الرواية أنقلها على عهدة راويها، وهي تبيّن لنا أن طاغية الشام لا يمكن أن يقبل بأي تنازل عن بعض سلطاته. حتى ولو كانت بشكل مسرحي! فكيف لنا أن ننتخب الطاغية؟

4ـ رئيس يستمتع بقهر شعبه!

تؤكد أبحاث علم النفس، في دراستها للشخصيات المستبدة، أن المستبد لا يعرف لغة التنازل، ولا يقبل التفاوض على بعض من سلطاته، وإن غاية هذا الإصرار على تلك المسرحية الانتخابية قهرُ كل إرادة تطمح إلى التغيير، فيقتل داخل السوري كل إرادة تدفعه باتجاه الحرية، ولقد عالج هذه المسألة الألماني “إريش فورم” عالم النفس الاجتماعي، في كتابه “الخوف من الحرية”، حيث تحدث فيه عن دكتاتورية هتلر ونازيّته، وقضى بشمولية استبداده على الجانب الإنساني للفرد الألماني، ليقهره ويأسر إرادته، حتى يصبح مدمنًا لحالة الاستبداد، خائفًا من التغيير، على مبدأ “كنا عايشين”، وهذه أكبر وأخطر عملية إعدام للإنسانية ينجح المستبدون بفرضها على بعض شرائح المجتمع، وهي عملية تصوّر التغيير خرابًا، والحرية تفلتًا، وهذا بالضبط ما تؤكده الحالة السورية خلال العشرية السوداء، إذ رفض طاغية الشام مجرد الاعتراف بوجود معارضة سياسية، كما رفض الاعتراف بانتفاضة الشعب السوري، مؤكدًا أن ما يحدث ليس إلا مؤامرة كونية على نظام حكمه! حتى يتعايش الناس مع آلام الاستبداد، وهذا ما وضحه عبد الرحمن الكواكبي، في سِفره الخالد “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”، إذ قال: الأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية.

هنا يقوم الدكتاتور بممارسة احتقاره لتلك الشريحة، وإذلالها من جديد، فمن إذلال الطوابير على السلع المعيشية التي من واجب النظام أن يوفرها للشعب، إلى إذلال غلاء الأسعار التي أرهقت المساكين، ثم يسوقهم من جديد إلى صناديق الاقتراع، في أقبح مسرحية انتخابية، فكيف لي أن أنتخب الطاغية؟

5ـ رئيس فوق المحاسبة

في الدول المحترمة، لا أحد فوق القانون، ومحاسبة القائد ومساءلته حق لكل الشعب، حتى يبقى حذرًا من اختراق القانون، لأن القانون هو مصدر هيبة الدولة الحقيقي، لا شخصية القائد، كما في شرقنا البائس. “ديفيد كاميرون” رئيس الوزراء البريطاني وجّه ذات يوم خطاب متلفزًا من مكتبه للشعب البريطاني، وظهر خلف “كاميرون” آلة فخمة لصناعة القهوة! فثار الإعلام ضده، كيف تكون لدى رئيس الوزراء ماكينة لصناعة القهوة من النوع الفخم؟ فاضطر فريق “كاميرون” إلى أن يقدّم للرأي العام فاتورة آلة القهوة، وكانت بقيمة (166) جنيهًا إسترلينيًا، وقدّم أيضًا كشفًا لحساب “كاميرون” يثبت أن سعر هذه الماكينة تم دفعه من حسابه الشخصي، لا من المال العام.

وسورية تعيش اليوم جوعًا لا نظير له، واقتصاد البلاد في حالةٍ يرثى لها، ويخرج علينا طاغية الشام، وقد أجرى عمليات تجميل لوجهه، حتى يخوض بها حملته الانتخابية، وأما زوجته، فقد كشفت وسائل إعلام أنها تقوم بالتسوق الإلكتروني، وتدفع مبالغ طائلة، لترضي غرورها على حساب آلام الشعب، بالوقت نفسه تُسجل حالات انتحار لشباب ورجال، يئسوا من تأمين أبسط مستلزمات الحياة! فكيف ننتخب طاغية الشام؟

ختامًا

إن معركة طلّاب الحرية مع المستبد هي معركة شرسة، والحريّة متعة، ولكل متعة ثمنها الكبير، وهذا ما أكده الناشط الثوري وأبرز فلاسفة عصر التنوير وأبرز الآباء المؤسسين في الولايات المتحدة “توماس باين”، بقوله: قهر الاستبداد ليس بالأمر السهل، ولكن ما يعَزينا أنه كلما اشتد الصراع قسوة، ازداد النصر مجدًا.

أحمد الرمح : باحث وكاتب سوري، مهتم بشؤون الإسلام السياسي، شارك في نشاط لجان إحياء المجتمع المدني في سورية، وفي تأسيس ملتقى الحوار الوطني السوري وغيرهما، وله العديد من الكتب المطبوعة.

المصدر : موقع مركز “حرمون”

شاهد أيضاً

عن الاصطفاف الأميركي- الأوروبي مع إسرائيل

خطار أبودياب شكلت مفاجأة تخطي جدار غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، منعطفا في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *