الدعوى الهولنديّة ضدّ نظام الأسد أمام محكمة العدل الدولية

 

شكراً هولندا دولة، وحكومة، وشعباً على أول تحرّك قانوني دولي، نحو العدالة في سورية، عبر إقامة دعوى ضدّ “الدولة السورية”، أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.













المحامي إبراهيم ملكي


لقد اتّخذت الدولة الهولنديّة الإجراء القانوني المتبع، في إيصال فحوى الشكوى إلى “الدولة السورية”، في خرقها للبنود والنصوص القانونية، (لمعاهدة مناهضة التعذيب، لعام 1987)، وعدم الالتزام بمقررات القانون الدولي الإنساني. واتبعتها الحكومة الهولنديّة بنشرها للواقعة، عبر موقع الخارجيّة الرسمي، وأبلغت نظام الأسد، وفق الأصول عبر مذكّرة دبلوماسيّة، بنيّتها تحريك الدعوى على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، التي ارتكبها النظام ضد السوريين، ويعد ذلك بمثابة إخطار، والتأكيد، والتذكير بالتزاماته الدولية، بوقف الانتهاكات ضد شعبه، وطالبته بتعويضات كافية للضحايا، واتباع طريق المفاوضات، كخطوة ضروريّة في التسويّة السياسية للقضية السورية، والالتزام بتعهّده الدولي، باحترام اتفاقية الأمم المتحدة، المناهضة للتعذيب، التي وقّعت عليها الحكومة السورية، عام 2004. ويأتي هذا الإجراء الهولندي، ضمن سياق قانوني، وهو حقّ لأيّة دولة، عضو، وطرف في منظمة مناهضة للتعذيب، التي هي إحدى المنظّمات التابعة للأمم المتحدة، إذ تنصّ الاتفاقيّة: “مجرد خرق دولة طرف لهذه الاتفاقية، يعطي الحقّ لأيّة دولة عضو في الاتفاقيّة، أن تقدّم شكوى ضدّ تلك الدولة، التي خرقت نصوص المعاهدة، أمام محكمة العدل الدولية، ومقرّها لاهاي في هولندا، وتعتبر المحكمة الجهاز القضائي الرسمي، التابع للأمم المتّحدة…..”

لوك وزير الخارجية الهولندية، في رسالته إلى نظام الأسد أفاد: ” أنّ الدولة الهولنديّة تعدّ دعوى قضائيّة، ضدّ “الدولة السورية ” بعد قيامها بممارسة الانتهاكات العديدة، لحقوق الإنسان عمداً ومستندين في ذلك إلى النّصوص القانونيّة، للمعاهدة في إقامة الدعوى القضائيّة أمام محكمة العدل الدولية”.

( ولمّا فقد السوريّون كلّ شيء، وهم يفرّون بأرواحهم، من القتل، والتعذيب، والخطف، والإخفاء الرسمي، والغازات السامّة، التي ألقاها النظام على شعبه)
ورغم التأخير في القيام بمثل هذه لإجراءات، تعتبر خطوة مهمّة في تثبيت مسؤوليّة النظام على الجرائم المرتكبة، وملاحقته ثم معاقبته في سورية.

نرى أنّ هذا الإجراء القانوني، خطوة جيدة، ومقبولة، وتعيد الأمل للسوريين، بوقوف العالم إلى جانبهم في محنتهم الإنسانيّة، التي عانوا منها، ونرجو أن تحذو دول أخرى حذو هولندا، وكضحايا سوريين ندعم هذه الخطوة التي تعتبر الأولى، في مقاضاة نظام الأسد دولياً.
خلال إعداد هذه الدراسة، وكما توقّعنا ( انضمّت أميركا إلى ألمانيا، لدعم هولندا في خطوتها ضد نظام الأسد) وقال : جيمس جيفري المبعوث الأميركي لسورية، في بيان نشرته وزارة الخارجية الأميركية، الثلاثاء 22 / 9 / 2020: ” إنّ الولايات المتّحدة ترحب بمبادرة هولندا، لمحاسبة النظام السوري، عن انتهاكاته لاتّفاقيّة الأمم المتّحدة، لمناهضة التعذيب، التي تعدّ كلّ من سورية، وهولندا أعضاء فيها “ ، مضيفاً : “أنّه لا يمكن أن يكون هناك حلّ دائم للصراع في سورية، دون مسائلة، ومحاسبة النظام السوري، عن الانتهاكات ضدّ شعبه” .
بدوره وزير خارجية ألمانيا “هايكو ماس” صرّح : ” نرحّب بالمبادرة الهولنديّة لتقديم النظام السوري للعدالة “ ، واصفاً انتهاكات النظام ضدّ السوريين، بأسوأ انتهاكات لحقوق الانسان في العالم، وأضاف : ” أنّ المبادرة خطوة مهمّة، في مكافحة الإفلات من العقاب، وأنّ الضحايا يستحقّون العدالة”
هذه التّحركات الدولية تحتاج من المنظّمات الحقوقيّة، والإنسانيّة، في سورية تقديم الدعم، والمناصرة، والانخراط فعلياً مع هذه الدول، عبر تمكين، وتزويد الحكومة الهولندية بالوثائق والأدلّة، والقرائن والصور، والمستندات المتوفّرة لديها، وهي كثيرة التي تدين النظام، بانتهاكه للأعراف، والقوانين الإنسانيّة الدولية، ومعاهدات جنيف 4 لعام 1949.
وللتوضيح فإنّ نظام الأسد وفق القوانين، والأعراف في الأمم المتّحدة، يمثّل “الدولة السورية”، ومن هنا جاءت الدعوى ضدّها، بصفتها الاعتباريّة، وهو إجراء قانوني سليم، تسير عليه الدول في التعامل فيما بينها.

وبالعودة إلى نصوص محكمة العدل الدولية، وميثاقها نرى أنّ الدعاوي التي تقام أمام هذه المحكمة، يجب أن تقام من دولة عضو في منظّمة مناهضة التعذيب، ضدّ دولة عضو أيضاً وأحكام هذه المحكمة، غالباً تنظر في الجوانب الماديّة، والتّعويض عن الضرر، ولها شكل المحكمة المدنيّة، بعكس المحكمة الجنائيّة الدولية، التي تقام بمواجهة أفراد متّهمين بارتكاب جرائم إبادة، و تحاكم الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم حرب، وجرائم ضدّ الانسانية، ولهذه المحكمة الجنائية أصول متبعة في المحاكمة، وهي لاتشبه إجراءات التقاضي في محكمة العدل الدولية، ومنها أنّ الدول المدّعى عليها، يجب أن تكون عضواً في اتفاقيّة روما، وأنّ يصدر قرار من مجلس الأمن، بإحالة الملف إلى المحكمة الجنائيّة، وهذا ما منعته روسيا مراراً، عبر الفيتو في مجلس الأمن، بحكم أنّ سورية ليست عضواً في اتفاقيّة روما، فالمستند القانوني، الذي استندت عليه دولة هولندا في شكواها هذه، هو اتفاقيّة مناهضة التعذيب، كون سورية عضو فيها منذ 19 / 8 / 20004، ووفقا للمادة الثانية من الاتفاقيّة
تقول :
1- تتّخذ كلّ دولة طرف في إجراءات تشريعية، وقضائيّة، وإداريه فاعلة، لمنع أعمال التعذيب، في أيّ إقليم يخضع لاختصاصها القضائي .
2 – لا يجوز التذرّع بأيّة ظروف استثنائيّة أيّاً كانت، أو أيّة حالة من حالات الطوارئ الأخرى، كمبرّر للتّعذيب، سواء كانت حالة حرب، أو تهديد بالحرب، وبعدم توفّر استقرار سياسي داخلي، أو أيّة حالة من حالات الطوارئ العامّة الأخرى، كمبرّر للتعذيب .
3- لا يجوز التذرّع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى رتبة، أو سلطة عامّة كمبرّر للتعذيب .
النصوص المذكورة أعلاه، خالفها النظام بارتكابه التعذيب وفق الشكوى، و من خلال الاطلاع على قوانين الأنظمة الداخليّة، يلاحظ بأنّ النظام شرعن التعذيب، والاعتقال وحمى الأشخاص الذين يمارسونه، عبر مراسيم، وقوانين مثال قانون أمن الدولة، الذي يحمي أفراد هذا الجهاز، وكذلك محاكم أمن الدولة، ومحاكم الإرهاب، والمحاكم العسكرية، التي سنّ لها قوانين خاصة بها، وهذا مخالف لنصّ المادة الثانية من الاتفاقيّة.
ما يجعل ردّه على المذكرة الهولنديّة، مردوداً عليه شكلاً، وموضوعاً، لأنّه لا يحمل أيّة قيمة قانونية في طياته، والمضحك المبكي في ردّه، ” أنّ هولندا آخر من يتكلّم عن حقوق الإنسان، حسب الخارجية السورية” بحسب ما نشرت وكالة ” سانا” التابعة لنظام الأسد.

وكذلك نصّت المادة الرابعة :
1- تضمن كلّ دولة طرف في المعاهدة، أن تكون جميع أنواع التّعذيب جرائم، بموجب قانونها الجنائي، وينطبق الأمر على قيام أيّ شخص بأيّة محاولة لممارسة التعذيب، أو على القيام بأيّ عمل يشكّل تواطئ، ومشاركة في اعمال التعذيب.
2- تجعل كلّ دولة طرف في هذه الجرائم، مستوجبة للعقاب بعقوبات مناسبة، تأخذ في الاعتبار طبيعتها الخطيرة.
إنّ نظام الأسد بقوانينه يخالف نصوص معاهدة مناهضة التعذيب، ومعاهدات القانون الدولي، المتعلّقة بحقوق الانسان، ولا تجد مكاناً في تشريعاته الداخلية. علماً تحفّظ النظام على نصّ المادتين 20 و30 من الاتفاقيّة.

من هنا نقول : على هيئات الأمم المتّحدة التدخّل لتثبيت السلم والأمن الدوليين، واتّخاذ إجراءات رادعة، بحقّ الدول المخالفة، وعلينا الضغط على هيئات الأمم المتحدة، لاتّخاذ الإجراءات القانونيّة اللازمة بهذا الخصوص .
و على الدول الموقّعة على هذه الاتّفاقية، احترام إجراءات التقاضي أمام هذه المحاكم، التي تبتّ في النزاعات والخلافات، التي تنشأ بين الدول ودياً، أو عبر التحكيم، أو من خلال التفاوض، وكذلك في الخلافات المدنيّة، والحدوديّة إلى جانب النظر في دعاوي الانتهاكات، وخرق نصوص معاهدة مناهضة التّعذيب في الجانب المدني، وليس الجنائي.
إنّ قيام دولة بمقاضاة دولة أخرى، تخاطبها كدولة عضو في الأمم المتحدة، لذا فالرأي القائل : إن إقامة دعوى مدنيّة أمام محكمة العدل الدولية، ضدّ “الدولة السورية”، هو اعتراف بشرعيّة النظام، هو قول في غير محلّه، ولا سند قانوني له، لذلك فهو مخالف لمفهوم الأمم المتحدة في تعريفها للدولة،
لذا فإن محكمة العدل الدولية، تختص وتنظر في محاكمة الدول (بصفة اعتبارية )، وليس الأفراد.
فالمستند القانوني للحكومة الهولنديّة : هو نصّ المادّة 55 من نظام محكمة العدل الدولية، والتي تنصّ على : أنّ الدولة العضو في الاتّفاقيّة، تقع على عاتقها تعزيز، واحترام حقوق الإنسان، وحرياتها الأساسيّة، ومراعاتها على مستوى العالم، وليس فقط داخل الدولة استناداً، للمادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 ، والمادة 7 من العهد الدولي، الخاص بالحقوق المدنيّة، والسياسيّة، ونأمل من الدول الموقّعة، على اتّفاقيّة مناهضة التعذيب، بإقامة الدعاوي على نظام الأسد، لمخالفته هذه الاتّفاقيّة، وهي أغلب دول العالم.

إنّ الخطوات الإجرائية، التي تقوم بها الدولة المدعية، أمام محكمة العدل الدولية هنا (هولندا ) ، تقوم بإبلاغ الدولة المدّعى عليها ( سورية) مع شرح تفصيلي، لموضوع الشكوى، كخطوة أولى، ثم تبدأ المفاوضات، وعمل لجان مختصة، والتّدقيق في فحوى الشكوى، كزيارة أقبية التعذيب :

أولاً: مقابلة معتقلين وضحايا أو وسائل أخرى لجمع الأدلّة.
ثانياً : يبدأ التحكيم، والاستشارات، وتقديم الوثائق، وأيضا الفتاوي. هاتان الخطوتان هما إجراءات متّبعة أصولاً، للدولة المدعية أمام المحكمة، وتعتبر مقدّمة للولوج في موضوع الدعوى، وتعطيها الشرعية القانونية لإقامة الدعوى، في حال فشل المفاوضات، والتحكيم:
تتوجّه المحكمة في البحث في أصل الدعوى، ومحاسبة الدولة، التي ارتكبت المخالفة المنسوبة إليها، وذلك بإجراءات التقاضي، وفق الأصول علناً وسراً، من تبادل الدفوع، والمذكّرات من قبل الخصوم، وقد تكون المرافعات شفويّة ك، أو كتابيّة، من قبل الوكلاء، والمحامين لحين انتهاء المرافعات، بين الخصوم، ثم تقوم المحكمة بالمداولة، وعقد الجلسات السريّة، والعلنيّة، وصولاً لإصدار حكمها علناً، وتعتبر قراراتها مبرمة، غير قابلة للطعن.

ومن هذه القرارات:
1- فرض عقوبات مادية، على كلّ دولة ترتكب أفعال مخالفة للقانون، وعمليّات مخالفة لاتفاقيّة مكافحة التّعذيب.
2- إلزام الدولة المحكوم عليها، بدفع كافّة التّعويضات الماديّة، والمعنويّة، لكلّ ضحايا التّعذيب، وتعويض أسر الضحايا مادياً، ومعنوياً .
3- يحقّ للجهة التي صدر القرار لصالحها، أن تطلب من الدول المحكوم عليها، لتنفيذ مضمون الحكم القضائي الصادر عنها، أو تطلب من الأمم المتّحدة، الضغط على تلك الدولة، لتنفيذ مضمون القرار
4- وكخطوة استباقيّة، ولوجود الحقّ، تقوم الدولة المدّعية على إلقاء الحجز الاحتياطي، على أموال تلك الدولة، ضماناً لحقوق الضحايا الماديّة، والمعنويّة، لحين البتّ في أصل الحقّ.
وإنّنا نرى صدور الحكم القضائي، من محكمة العدل الدولية، بمواجهة دولة سورية، ونظامها له ميزات عديدة منها :
1- ميزة معنويّة، وردّ اعتبار لضحايا التعذيب، وعائلاتهم، وأنّ العدالة الدولية، تطال المجرمين، مهما طال الزمن، ولايمكن إفلاتهم من العقاب.
2 – ميزة قانونيّة مهمّة، بأنّ الحكم القضائي الصادر عن محكمة العدل الدولية، سيكون قراراً مبرماً وكما يقال : ( هو عين الحقيقة ) بأنّ النظام السوري، ارتكب ما نسب إليه، من أفعال مخالفة للقانون، والمعاهدات الدولية، والأهم سيكون القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية، المستند القانوني للسوريين، في إقامة دعاوي جزائيّة في ملاحقة الأشخاص، والأفراد الذين مارسوا تلك الانتهاكات، أمام المحاكم الجنائيّة الدولية لاحقاً.
وفي الختام: إنّ ردّ نظام الأسد، جاء عبر وزارة خارجيته: إنّ ” الحكومة الهولنديّة، تستخدم محكمة العدل الدولية، في لاهاي خدمة لأجندات واشنطن”  واتّهمت هولندا بدعم، “وتمويل التنظيمات المسلّحة بسورية”، وفقاً لما نشرته وكالة “سانا” التابعة لنظام الأسد .

ومن خلال هذا الردّ، يتوضّح أنّ نظام الأسد لا يحترم المعاهدات، ولا المواثيق الدولية، ويتعمّد في ارتكاب جرائم التعذيب، والقتل، والخطف، والتّهجير، والاخفاء والاغتصاب ضدّ شعبه، ضارباً بعرض الحائط تلك المواثيق الدولية.
إنّ الأصل في العلاقات الدولية، هو الأمن، والسلم في العالم، وكسوريين علينا تعزيز فعالية النضال، ضدّ الانتهاكات، والجرائم ضدّ الإنسانيّة، واحترام حقوق الانسان، وحماية الأشخاص من التعرّض للتعذيب، مهما كانت الظروف، وإذ ندرك أنّ هذه الحقوق، مستمدّة من الكرامة المتأصّلة في الإنسان، وأنّ اتّفاقيّة مناهضة التعذيب، ترى أنّ الاعتراف في الحقوق المتساوية، غير القابلة للتصرف لجميع أعضاء الأسرة الدولية، وفقاً للمبادئ المعلنة لحقوق الإنسان، ومن واجبنا التعاون مع الجهات، والمحاكم الدولية، التي تقيم مثل هذه الدعاوي بعيداً عن ذاتيتنا .
إنّ معركتنا ضدّ نظام الأسد، هي معركة قانونيَة سياسيّة، واخلاقية لوقف القتل، والانتهاكات، بحقَ الشعب السوري .
علينا العمل معاً و عبر الهيئات القانونيَة، والسياسيّة الوطنيّة، والدولية، و بكلّ الاتّجاهات لملاحقة رجال، وأفراد هذا النظام، جزائياً أينما وجدو، وأن يد العدالة ستطالهم ولو بعد حين .


شاهد أيضاً

حروب الصورة والوردة الإسرائيلية

لا حدود لمظاهر الانحياز الفاضح للرواية الإسرائيلية ولجيش الاحتلال الإسرائيلي لدى كبريات وسائل الإعلام الغربية المقروءة والمسموعة والمرئية على حدّ سواء؛ خاصة تلك التي تزعم عراقة في التأسيس والتقاليد والمهنية العالية (مثل الـBBC البريطانية)، والكفاءة التكنولوجية الفائقة في مختلف جوانب التغطية المباشرة أو عن بُعد (مثل الـCNN الأمريكية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *