بولتون يتذكر (3): هكذا “نجا” الأسد من ترامب بعد هجومه الكيماوي



جون بولتون، من أبرز صقور المحافظين في الولايات المتحدة، ومن دعاة تغيير النظام في إيران وسورية وفنزويلا وكوبا واليمن وكوريا الشمالية من البلدان التي يعتبرها مارقة. رئيس مؤسسة غايتستون، وهي مجموعة تفكير، وباحث سابق في مؤسسة أنتربرايز المرتبطة بالمحافظين الجدد. عمل كمحامٍ، ودبلوماسي، ومستشار سابق للأمن القومي. ما بين عامي 2001 و2005 عمل في إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن في ملف نزع السلاح. واستلم منصب سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة بين عامي 2005 و2006. وفي إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب عمل مستشاراً للأمن القومي بين عامي 2018 و2019، ثم استقال لخلافات في الرأي مع الرئيس. وفي أواخر حزيران العام الحالي، صدر له كتاب “الغرفة التي شهدت الأحداث” مذكرات البيت الأبيض”The Room Where It Happened: A White House Memoir”، والذي تضمّن انتقادات لاذعة لسياسات ترامب، وكيفية إدارته قوة عظمى في مواجهة أزمات حادة.

“أساس” ينفرد بنشر مقتطفات من الكتاب على حلقات، بالاتفاق مع دار نشر “شركة المطبوعات للتوزيع والنشر”، التي حصلت على حقوق الترجمة والنشر بالعربية.

يوم السبت 7 نيسان/ أبريل 2018، شنّت “القوات المسلحة السورية” هجوماً بالأسلحة الكيميائية على مدينة دوما، جنوب غرب سورية ومواقع أخرى مجاورة لها. وقد أفادت التقارير الأوليّة أنّ أكثر من عشرة أشخاص قد لقوا حتفهم وأصيب المئات، بمن فيهم أطفال، وأنّ إصابة بعضهم حرجة بسبب المواد الكيميائية الخطيرة التي تعرّضوا لها . يُرجّح أن يكون الكلور هو المادة الأساسية المستعملة في هذه الأسلحة، لكن ثمّة مزاعم عن انتشار غاز السارين، وربما مواد كيميائية أخرى. كان نظام بشار الأسد قد استخدم قبل عام من ذلك أسلحة كيميائية مماثلة، منها غاز السارين، تحديداً في 4 نيسان/ أبريل 2017، في خان شيخون، شمال غرب سورية. وبعد ثلاثة أيام، ردّت الولايات المتحدة بقوة، مُطلقةً تسعة وخمسين صاروخ كروز على الموقع الذي يُشتبه أن يكون الهجوم السوري قد انطلق منه .

يبدو واضحاً أنّ النظام الدكتاتوري في سورية لم يتعلّم الدرس. لقد فشل الردع والمسألة الآن باتت تتعلّق باختيار الطريقة المناسبة للردّ. لسوء الحظ، بعد عام من أحداث خان شيخون، ظلّت السياسة المتعلّقة بسورية مشوّشة، وتفتقر إلى اتفاق حول الأهداف والاستراتيجية التي ينبغي اتّباعها. الآن هناك أزمة مجدّداً والردّ على استخدام الأسلحة الكيميائية في الهجوم السوري الأخير كان أمراً حتمياً، لكن أكثر ما كنّا نحتاجه هو التوصّل إلى رؤية واضحة حول كيفية تعزيز المصالح الأميركية على المدى الطويل. ومع ذلك أشار اجتماع مجلس الأمن القومي الذي عُقد قبل أسبوع من قصف دوما، إلى السير في الاتجاه المعاكس تماماً، أي إلى الانسحاب الأميركي من سورية. إنّ هذا الانسحاب يهدّد بخسارة المكاسب المحدودة التي تحقّقت في ظل سياسات باراك أوباما الخاطئة في سورية والعراق، ويؤدي تالياً إلى تفاقم المخاطر التي عزّزها نهجه. أما المسؤولية عن هذه الحال من الارتباك السياسي، بعد مرور عام كامل على أحداث خان شيخون، فهي تظهر في ذلك الموقع الرمزي، حيث يكون على الرئيس أن يحسم أمره ويتّخذ القرارات ويتحمّل مسؤوليتها، أي على مكتب ريزولوت في المكتب البيضاوي.

         ” كانت تصريحاته هذه واضحة وقوية، لكنّ ترامب غرّد قبل أن يستشير فريقه للأمن القومي. علماً أنّ                 سلفي في منصب مستشار الأمن القومي الجنرال هيربرت ريموند ماكماستر، كان قد ترك منصبه بعد ظهر             الجمعة، ولم أبدأ مهامي قبل يوم الاثنين  ”   

في حوالي الساعة التاسعة صباحاَ من يوم 8 نيسان/ أبريل، غرّد دونالد ج. ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأميركية، وبأسلوبه الشخصي وأسلوب عصرنا هذا قائلاً:

“العديد من القتلى، من بينهم نساء وأطفال، حصيلة هجوم كيميائي أرعن في سورية. المنطقة التي ارتكبت فيها هذه الفظائع مغلقة ومحاصرة من قبل “الجيش السوري ” ما يجعلها معزولة عن العالم الخارجي. إنّ المسؤولية تقع على الرئيس بوتين وروسيا وإيران عن دعم الأسد الحيوان. لكن الثمن…..سيكون باهظاً. افتحوا المنطقة فوراً لتوفير المساعدات الطبية والتحقّق مما يحدث فيها. كارثة إنسانية أخرى لا داعي لها على الإطلاق. يا له من مريض!”.

لم تمرّ دقائق معدودة حتى غرّد ثانيةً:

لو كان الرئيس أوباما قد تجاوز خطه الأحمر المرسوم في الرمال الذي تكلّم عنه، لكانت الكارثة السورية قد انتهت منذ فترة طويلة! ولكان الأسد الحيوان جزءاً من التاريخ الآن!”.

كانت تصريحاته هذه واضحة وقوية، لكنّ ترامب غرّد قبل أن يستشير فريقه للأمن القومي. علماً أنّ سلفي في منصب مستشار الأمن القومي الجنرال هيربرت ريموند ماكماستر، كان قد ترك منصبه بعد ظهر الجمعة، ولم أبدأ مهامي قبل يوم الاثنين. وعندما حاولت عقد اجتماع يوم الأحد، اعترض محامو البيت الأبيض على ذلك، لأنني لن أصبح موظفاً حكومياً رسمياً حتّى يوم الاثنين. وقد أعطى هذا الموقف معنى جديداً لكلمة “إحباط”.

اتصل بي ترامب بعد ظهر الأحد، وتحدثنا لمدة عشرين دقيقة (بالأحرى هو من تكلّم معظم الوقت). قال لي بعد إمعان في التفكير إنّ الخروج من الشرق الأوسط بالطريقة الصحيحة عملية صعبة، وهو موضوع أثاره مرارًا وتكرارًا أثناء المكالمة التي تخلّلها الكلام عن الخلافات حول الحروب التجارية والرسوم الجمركية. قال ترامب إنه كان يشاهد للتوّ جون كين John M. Keane (جنرال بأربع نجوم ونائب رئيس هيئة الأركان السابق في الجيش) متحدّثاً عبر قناة فوكس نيوز، وأعجبه اقتراحه ضرب المطارات العسكرية الرئيسية الخمسة في سورية، وتدمير القوات الجوية للأسد بالكامل. أضاف ترامب: “إنّ شرفي على المحك”.

         ” كان من المفروض في رأيي أن تشمل تلك الهجمات أهدافاً أكثر من المنشآت التي تضمّ برنامج                          الأسلحة الكيميائية في سوريا. كان يجب أن ندمّر مواقع عسكرية سورية أخرى، بما في ذلك المقرّات                    والطائرات والمروحيات ” 

السؤال الحاسم الذي طرح نفسه أثناء المناقشة التي تلت الاجتماع هو ما إذا كان اللجوء إلى أسلوب الردع ضد استخدام أسلحة الدمار الشامل يعني حتمًا تورّطاً أميركياً أكبر في الحرب الأهلية السورية. والجواب هو كلا. يمكن إثبات مصلحتنا الحيوية في رفض الهجمات بالأسلحة الكيميائية دون الإطاحة بالأسد، على الرغم من مخاوف كلّ من أراد القيام بإجراء قويّ ضد نظامه، وأولئك الذين لم يرغبوا بذلك. الردّ العسكري له ما يبرّره لردع الأسد وكثير غيره عن استخدام الأسلحة الكيميائية (وكذلك النووية أو البيولوجية) في المستقبل. من وجهة نظرنا، كانت سورية مسرحاً استراتيجيًا جانبياً، ومن كان يسيطر على الوضع فيها يجب ألا يلهينا عن إيران، مصدر الخطر الحقيقي.

اتصلت بوزير الدفاع جيم ماتيس في الساعة 8:05 صباحاً، كان يعتقد أنّ روسيا هي مشكلتنا الحقيقية، وعاد يتحدّث عن اتفاقية أوباما غير الحكيمة التي عُقدت عام 2014 مع بوتين”لإزالة” قدرات سورية الكيميائية، الأمر الذي لم يحدث بالطبع. وها نحن مرة أخرى ندخل في دوامة الاتهامات. اتهمت روسيا إسرائيل بالوقوف وراء هجوم دوما، وهو أمر غير مفاجىء أبداً. ناقشنا أنا وماتيس الردود المحتملة على هجوم سورية. قال إنه سيقترح خيارات “خفيفة ومتوسطة وثقيلة” لينظر فيها الرئيس، وتلك كانت المقاربة الصحيحة برأيي. لقد لاحظت أنه على عكس عام 2017، كانت كلّ من فرنسا وبريطانيا تفكّران في الانضمام إلى ردّ محتمل، وهذه بحسب رأينا إضافة ممتازة. شعرت عبر الهاتف أن ماتيس كان يقرأ من نص مكتوب.

كان من المفترض أن أرأس أنا اجتماع لجنة الرؤساء في مجلس الأمن القومي إلا أنّ نائب الرئيس قرّر القيام بذلك، فربما أراد أن يساعدني في يومي الأول. على أيّ حال، قدت أنا المناقشة، كما هو معتاد، ولم يتكرّر هذا الأمر مرة أخرى. سمحت هذه الجلسة الأوليّة التي استمرت لمدة ساعة للإدارات المختلفة بتقديم أفكارها حول كيفية المضيّ قدماً. وشدّدت على أنّ هدفنا الرئيسي كان جعل الأسد يدفع ثمناً باهظاً لاستخدامه الأسلحة الكيميائية وإعادة إرساء قوة الردع حتى لا يتكرّر ما حدث. كنا بحاجة إلى خطوات سياسية واقتصادية، بالإضافة إلى ضربة عسكرية، لكي نثبت للعالم أنّ لدينا نهجاً شاملاً، وربما نبني تحالفاً مع بريطانيا وفرنسا. (كان المخطّطون العسكريون البريطانيون والأميركيون والفرنسيون قد بدأوا يتحدّثون في ذلك بالفعل). كان علينا أن نفكر ليس فقط في الردّ الفوري، ولكن في ما قد تفعله سورية وروسيا وإيران بعد ذلك. ناقشنا بإسهاب ما نعرفه وما نجهله بشأن هجوم سورية، وكيفية زيادة فهمنا لما حدث، وخاصة ما إذا كان غاز الأعصاب السارين قد استخدم بالفعل أو مركّبات كلوريّة فحسب.

كان ترامب قلقًا بشأن إمكانية وقوع خسائر روسية في سورية، نظرًا للوجود العسكري الروسي الواسع هناك، والذي ازداد بشكل كبير خلال عهد أوباما. كان هذا مصدر قلق مشروع، وقد عالجنا الأمر عبر استدعاء رئيس هيئة الأركان المشتركة، جو دانفورد Joseph Dunford، الذي اتصل بنظيره الروسي فاليري غيراسيموف Valery Gerasimov ليؤكد له أنه مهما كان الإجراء الذي قرّرناه، فهو لن يستهدف لا العسكر ولا العتاد الروسي. مكالمة أخرى بين ترامب وماكرون في الساعة الثالثة وأربعين دقيقة، حيث دفع ماكرون باتّجاه التحرّك الفوري وهدّد بالعمل من جانب واحد إذا تأخرنا كثيراً، وهذا ما كان قد صرّح به علنًا في وقت سابق. كان الأمر منافياً للمنطق وخطراً، لكن ترامب تمكّن في نهاية المطاف من كبح جماح الفرنسيين مرة أخرى. كان ماكرون على حق في سعيه لاتخاذ إجراءات فورية الأمر الذي ضغط على ميل ترامب الخاطئ للتحرّك ببطء. وكلما كان الردّ أسرع، كانت الرسالة الموجّهة للأسد والآخرين أكثر وضوحاً. لم تُطرح خياراتٌ من قِبَل البنتاغون، ولم يناقش الزعيمان أهدافًا محدّدة. ومع ذلك رسا خيار ماكرون على الردّ المتوسط من بين الخيارات الأخرى المطروحة، بغضّ النظر عن ما عناه هذا الخيار. قال: الردّ الخفيف لن يكون مؤثراً، والردّ الشديد سيبدو عدائياً. لم يكن لديّ أيّ فكرة عما يقصده، متسائلاً عما إذا كان هو أيضاً يعرف، أو أنه ببساطة يسجّل موقفاً.

كان من المفروض في رأيي أن تشمل تلك الهجمات أهدافاً أكثر من المنشآت التي تضمّ برنامج الأسلحة الكيميائية في سورية. كان يجب أن ندمّر مواقع عسكرية سورية أخرى، بما في ذلك المقرّات والطائرات والمروحيات (أي الأهداف المتعلّقة بقرار استخدام الأسلحة الكيميائية وأنظمة نقل القنابل التي تحتوي على الأسلحة نفسها بغرض إلقائها) كما كان ينبغي تهديد النظام نفسه عبر قصف قصور الأسد مثلاً. تلك كانت نقاطاً أثرتها جميعها في الاجتماع، لكن دون جدوى. فشلنا بشكل ملموس في رفع مستوى ردّنا، وهذا ما ضمن فعليًا أن يتنفس كلّ من الأسد وروسيا وإيران الصعداء.

تمّت الضربة بنجاح، حيث أطلقت الدفاعات الجوية السورية أكثر من أربعين صاروخًا أرض-جو، دون أن يصيب أيّ منها صواريخ كروز التي أطلقناها. اعتقدنا جميعاً أنّ الأسد فوجئ بمدى الدمار، ولم يحدث أيّ تسرّب كيميائي. يوم السبت، غرّد ترامب بسعادة عن الهجوم وتحدث مع ماي وماكرون، اللذين كانا راضيين أيضًا عن طريقة الردّ ووحدة دول الغرب التي ظهرت.


المصدر : موقع ” أساس ميديا” 

 


شاهد أيضاً

بالصور: أكبر المظاهرات المنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة

اسطنبول لندن لندن مصر المغرب فرنسا اسبانيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *