حين بات الأسد باهظ التكلفة..!!!

 

 

 


د. دانيا قليلات الخطيب

في عدد من الحوارات الاعلامية خلال الأيام الأخيرة أشار جيمس جيفري المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية إلى أن واشنطن تحدثت إلى روسيا، وفي الوقت الذي كانت فيه مثل هذه المحادثات سابقاً تتعلق في الغالب بوقف العمليات العسكرية وتفكيكها، لكنها اليوم صارت تتناول قضايا مثل البحث عن إيجاد حلول تمكّن من نهاية الصراع في سورية عبر القنوات الدبلوماسية.
وفي الخميس، أدلى جيفري من خلال بيان متحفظ بعض آليات للتعاون مع روسيا لإنهاء الأزمة في سورية. وفي مقابلة أخرى قال جيقري إن الروس يعرفون ” اي نوع من الحلفاء يتعاملون معه في سورية، مشيراً بشكل مباشر إلى الحملة الإعلامية التي شنها الاعلام الروسي على بشار الأسد عند شرائه لوحة بمبلغ 30 مليون دولار في الوقت الذي يعاني فيه غالبية السوريين من الفقرالمدقع . 

ومع هذا لا يمكن الحديث عن مؤشر واضح قي أن روسيا مستعدة لترك الأسد، لكن الحقائق تشير مع ذلك إلى قضية مهمة وهي أن الأسد أصبح عميلاً باهظ التكلفة بالنسبة إلى موسكو.

على الرغم من عدم اتساق السياسة الخارجية الأميركية بشكل عام بما يخص القضية السورية، لكن ثمة موقف ثابت تجاهها بما يخص التدخل الروسي في سورية، قد أراد باراك أوباما وتبعه دونالد ترامب أن يكون تدخل روسيا باهض الثمن على موسكو أي بتعبير آخر إغراقها في الوحول السورية، ولهذا بدا أن الأمريكيين بقيوا وكأنهم يبدون مترددين في طرح أي عرض جاد على الطاولة لروسيا بشأن ترك الأسد.

عندما تدخلت روسيا في سورية عام 2015 ، قال الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما للرئيس الروسي فلاديمير بوتين “إنك ستغرق في “مستنقع” بالطريقة نفسها التي غرقت بها الولايات المتحدة في العراق. لكن بوتين وجد أن تدخل روسيا في هذا الوقت من شأنه تعزيز مكانة روسيا كقوة عظمى ومنحها هامشاً جيدا للمناورة والاستفادة من إبرام مزيد من الصفقات التجارية مع دول الشرق الأوسط ، ومثل هذا التدخل يمكنه منح موسكو وبوتين شخصياً فرصة تقديم نفسه كوسيط اساسي في سوريا والمنطقة نظراً إلى المواقف الروسية من سورية ودول الخليج وبما يخص تركيا وإسرائيل قكلاهما يبحث عن التقرب من موسكو لكن الولايات المتحدة سعت دوماً إلى إبعاد هما عنها مثلما اجتهدت واشنطن إلى العمل على تقييد علاقات الدولتين مع موسكو.

وبعد أن اشترت تركيا نظام الدفاع الصاروخي S-400 من موسكو ، حاولت أمريكا الضغط على أنقرة لإبقاء الصواريخ الروسية في صناديقها وعدم نشرها، كما عرضت عليها صواريخ باتريوت الأمريكية الصنع لحماية حدودها.من هذا المنطلق يبتبين كيف حاولت الولايات المتحدة الحد من استفادة روسي انطلاقاً من موقعها في سورية.
وفي الوقت نفسه تراقب الولايات المتحدة كيف باتت روسيا تتكبد تكاليف باهظة للغاية من هذا التموضع الجديد، كما ان واشنطن راهنت على أن موسكو لن تستطيع تحقيق ما تصبو إليه عبر مثل هذا المشروع الباهظ التكلفة لفترة طويلة جدًا وستكون بعد فترة غير بعيدة بحاجة إلى البدء في استرداد تكاليف تدخلها، خاصة في مثل هذا الوقت الذي يستشري فيه فيروس كورونا التاجي مضافاً إلى هذا العامل نقطة أخرى لا تقل أهمية كانخفاض أسعار النفط وهذان العاملان من شانهما استنزاف روسيا اقتصاديا. أما بالنسبة لإبقاء الإيرانيين تحت السيطرة ، فإن إسرائيل تقوم بهذا العمل من خلال قصف أهداف إيرانية في سورية برضى روسي واضح.

وانطلاقاً مما سبق قإن الولايات المتحدة ليست في عجلة من أمرها، طالما أن الأسد محتجز ومكبل بمشاكله الإقليمية، ومن دواعي سرورنا أن نرى روسيا تنزف سيولتها المالية نقداً وهي الان تترافس من أجل خروج مقبول وبحفظ ماء وجهها.
ومن هذا الموقع بالذات تريد الولايات المتحدة التفاوض مع روسيا، اي من موقع القوة وليس العكس مع ضمان الحد الأدنى من التدخل العسكري، الذي يتماشى مع سياسة ترامب الخارجية.


ومن خلال نظرة عامة فإن سورية ليست دولة ذات موارد طبيعية غنية بحيث يغطي استثمار مواردها في تفطية تكاليف التدخل الباهظ، ولا يكفي مثلا تأجير ميناء طرطوس لمدة 49 عامًا ولاعقود استغلال موارد الفوسفات السوري لدفع نفقات موسكو في سورية، وعلى عكس العراق الذي تؤهله موارده النفطية من دفع تكاليف إعادة الإعمار الخاصة به ، لكن الوضع في سورية مختلف وستبقى بحاجة إلى مانحين دوليين لبدء عملية إعادة الإعمار التي تأمل روسيا في الحصول على جزء مهم من عقودها. ولهذا ترى ان الغرب حازم في موقفه في هذا الجانب ويؤكد أن لاإعادة إعمار دون انتقال سياسي واضح ، وهو أمر غير مرجح للغاية مع وجود الأسد في السلطة.
وفي مكان آخر، فإن روسيا وصلت إلى حد الأقصى الممكن من إبرام الصفقات التي يمكن أن تنجزها في المنطقة ، أو على الأقل قالحديث يدور عن الصفقات التي تسمح الولايات المتحدة للروس بإبرامها في المنطقة، وفيما عدا ذلك فإن كل يوم يقضيه الروس في سورية يعني مزيداً من النفقات الإضافية المذهلة بالنسبة للجيش الروسي، وغني عن القول فالتدخل الروسي كان مكلفًا أيضًا من حيث الأرواح، إذ فقدت روسيا ما لا يقل عن 19 طائرة مأهولة ، ونشر المرصد السوري لحقوق الإنسان ، في يناير / كانون الثاني تقريراً قدر فيه أن روسيا فقدت 264 جندياً في سورية.
المثير للدهشة حقاً، أن الأسد لم يغيرسلوكه وسياسته بطريقة يمكن للسوريين أن يقبلوا بحكمه فالوحشية التي يستخدمها لم تتغير، ولم يلتزم بضوابط مناطق لمصالحات التي تمت بوساطة الروس مع المعارضة ، ولم يسع إلى توصيل الخدمات الأساسية إلى تلك المناطق. ووفقًا لمصدر روسي فقد سئمت موسكو من موقف الأسد المهووس بالنصر وباستعادة كل الأراضي، وهو بذلك فقد انفصل تمامًا عن الواقع. من هنا، قالروس باتوا مدركين تماماً بأن بقاء الأسد بات ذا كلفة باهظة مع مرور الوقت وأنه يضع موسكو في وضع يصعب تحمله لوقت طويل على الرغم من الحملات الإعلامية المتواترة، كما أن التصدعات وصلت إلى دائرته الضيقة وبين أقراد أسرته ( رامي مخلوف )، الذي ندد في أكثر من فيديو على YouTube وصرح بأنه مستهدف بشكل خاطئ من قبل النظام وذكر بأن روسيا ليست مستعدة بعد للسماح للأسد بالرحيل.


ومن المحتمل فيما لو تركت روسيا انهيار النظام زالقبول في إغراقه بالفوضى فمن المحتمل أن تؤدي إزالة الأسد قبل استقرار البلاد إلى انهيار كامل للنظام، ولهذا يسعى الكرملين إلى كبح جماح النظام ومتطلباته والضغط عليه من أجل التخفيف من تكاليفه.


وقد توقع البعض أن يثبت وقف إطلاق النار الأخير في إدلب لوقت طويل، مع ذلك فإن ذلك لم يتجسد تماما،ً وقال جيفري إنه يتوقع أن يستمر لبضعة أشهر أخرى. واضاف أنه “ربما بسبب الضغط الروسي فإن الأسد لا يستطيع شن هجوم واسع كما يرغب على إدلب.

مهووس بالنصر وباستعادة كل الأراضي، لقد انفصل تمامًا عن الواقع.
د. دانيا قليلات خطيب


ستكون الأشهر القادمة أكثر صعوبة بالنسبة إلى روسيا. وسيدخل قانون “قيصر ” الأميركي حيز التنفيذ في 17 حزيران/ يونيو، وبموجبه ستفرض عقوبات قاسية على الشركات الروسية التي تتعامل مع الأسد. إضاقة إلى ذلك فإن إيجاد بديل مناسب يمكن أن يبقي معظم النظام معًا.


وبمعاينة بسيطة يبدو أن بوتين لا يرغب أن ينظر إليه كما لو أنه يتخلى عن حليفه. والأهم من ذلك أنه لا يريد أن يبدو كما لو أنه طأطأ رأسه للضغوط الغربية.


سرديات الرئيس الروسي المركزية بقيت معادية للغرب، فهو يرى أن الغرب عجّل في وقت سابق من عملية تفكك الاتحاد السوفييتي وهو يؤمن بأن الغرب نكث كثيرا بوعوده وقد تعمد ترك روسيا في حالة اقتصادية بائسة.

ولهذا فإن خسارة روسيا المتصورة في سورية ستعرض موقف بوتين للخطر في محيطه ، وذلك ما يحاول الرئيس الروسي أن لا يسمح به قدر الامكان على الرغم من اقتناعه بأن الأسد أصبح باهظ التكلفة بشكل متزايد ، إلا أن بوتين لن يسمح له بالرحيل ما لم يتم عرض صفقة عليه تمكنه من إنقاذ ماء الوجه.

الدكتورة دانية قليلات الخطيب : متخصصة في العلاقات الأميركية-العربية مع التركيز على الضغط. حاصلة على دكتوراه في السياسة من جامعة إكستر وهي باحثة في معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت.

ترجمة : د. ممتاز الشيخ 

 

الرابط أدناه للمادة بالنص الأنكليزي الأصلي …

https://www.arabnews.com/node/1673161

 

شاهد أيضاً

عن الاصطفاف الأميركي- الأوروبي مع إسرائيل

خطار أبودياب شكلت مفاجأة تخطي جدار غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، منعطفا في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *