زحمة “دواعش” في سجون حلفاء واشنطن خمسة آلاف إرهابي في أعتى سجون العالم… والغرف مكتظة (1 من 3)


«الشرق الأوسط» تدخل أكبر سجن لـ”الدواعش” 

“الشرق الأوسط» ترصد في 3 حلقات أوضاع التنظيم بعد سنة على سقوط آخر معاقله

السبت – 26 رجب 1441 هـ – 21 مارس 2020 مـ رقم العدد [ 15089]

الحسكة: كمال شيخو

قبل سنة، استطاع التحالف الدولي بقيادة أميركا، بالتعاون مع «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية، القضاء على آخر جيوب «داعش» في الباغوز في شمال شرقي سورية، معلناً تحرير جميع المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق منذ 2014.

آنذاك نقل رجال إلى سجون ومحتجزات شرق الفرات، حيث تكتظ بآلاف «الدواعش»، فيما أخرجت النساء والأطفال دون سن العاشرة إلى مخيمي «الهول» و«روج» بمدينة الحسكة. أما الأطفال الذين تجاوزت أعمارهم 10 سنوات فرحلوا إلى سجن الأحداث في قرية تل معروف التابعة لمدينة القامشلي.

تنشر «الشرق الأوسط» في 3 حلقات تحقيقات ومواد ميدانية من سجن الحسكة المركزي، وهو أكبر مركز احتجاز بالعالم، يضم 5 آلاف متطرف ومقاتل، كانوا ينتمون إلى التنظيم المتطرف، إضافة إلى تحقيق من سجن الأحداث، الخاص بأطفال التنظيم وأبناء عناصره، ومعظمهم كان في «أشبال الخلافة» المزعومة، أحد أذرع التنظيم الأخطر، إلى جانب نقل جلسات محكمة الإرهاب الخاصة، التي تديرها «الإدارة الذاتية لشمال وشرق» سورية، وتحاكم أفراد التنظيم من الجنسية السورية.

تتضمن التحقيقات مواقف سفراء ودبلوماسيين من بريطانيا والسويد وفنلندا وبلجيكا و«المنظمة الدولية للصليب الأحمر»، وشهادات عائلات المتطرفين في أقسام مخصصة بالمخيمات القائمة تحت حراسة مشددة.

وما يزيد من تعقيد هذا الملف رفض معظم الدول الغربية والعربية استعادة رعاياها الموجودين في سورية، في وقت سحبت بريطانيا الجنسية من مواطنين، وسمحت فرنسا بمحاكمة مواطنيها أمام محاكم عراقية.

الحسكة: كمال شيخو

في الحسكة، هذه البقعة الجغرافية أنشأت الولايات المتحدة الأميركية ودول التحالف الدولي المناهض لـ«تنظيم داعش»، أكبر سجن لمتطرفين بالعالم.

يبلغ عدد نزلائه نحو 5 آلاف متطرف. هؤلاء الرجال قاتلوا إلى جانب التنظيم حتى الأيام الأخيرة في بلدة الباغوز شرقاً ربيع العام الماضي، قبل أن يسلموا أنفسهم وانتهى بهم المطاف بهذا المكان.

قبل الدخول يطلب الحراس التأكد بدقة من هوية الزائر ويخضع لإجراءات تفتيش معقدة، خشية من تسلل خلايا نائمة موالية للتنظيم لأن السجن محصن بتدابير أمنية عالية.

عند البوابة الرئيسية يقف عشرات من «قوات سوريا الديمقراطية» بكامل بذاتهم وعتادهم العسكري. يطلب القيمون على السجن عدم تبادل الأخبار الميدانية سيما مقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي والهجوم التركي على شرق الفرات.

داخل إحدى الزنازين، مهاجع موصدة بأبواب مطلية بلون أخضر مرقمة بأحرف إنجليزية. أولها بلوك (A) وكتب عليها رقم 120 حيث أشار الحارس إلى عدد نزلائه.

بداخلها رجال لحاهم طويلة ملامحهم أوروبية وروسية وآسيوية وعربية وتركية حيث قدموا من آلاف الكيلومترات للعيش في وهم طالما حلموا بتحقيقه. أضواء المكان خافتة مع صعوبة وجود بقعة فارغة بسبب تمدد الرجال على الأرض أو الوقوف.

بعضهم كان يقوم بحك جلده وكثيرون منهم ناموا على فراش بسيط وآخرون كانوا ينتظرون عند باب الحمام الوحيد. أما الزي الذي كان يرتدونه برتقالي اللون أو رمادي والأخير صنع من الأغطية لبرودة الطقس، وانخفاض درجات الحرارة سيما في ساعات الصباح الباكر.

هؤلاء هم عناصر «تنظيم داعش» الإرهابي الذين أثاروا الرعب بقواعده المتشددة وأحكامه المتوحشة، وأعمالهم والجرائم التي ارتكبوها بين 2014 و2019. ولقد أصدر التنظيم مناهجه الدينية وعملته الخاصة وجنى الضرائب من قرابة 7 ملايين نسمة في ذروة قوته، وأزال الحدود بين مناطق سيطرته في سورية والعراق المجاور، قبل القضاء على سيطرته الجغرافية والعسكرية في مارس (آذار) العام الفائت، على يد أطراف عدة شكلت رأس حربتها «قوات سوريا الديمقراطية» العربية الكردية المدعومة من تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

داخل الجماعية (B) وبلغ عددها 87 شخصاً. افترش رجل بطانية قديمة ملونة يبدو أنه عراقي الجنسية من لهجته بعدما تحدث بصوت منخفض، وقد غزا الشيب شعره وذقنه ويبدو أكبر من سنه مما هو عليه، ويمسك بيده علبة كانت مخصصة للزيت لكنه حولها لإبريق ماء يرتشف منه قبل أن يضعها جانبا. بين الحين والآخر ينظر بفضول إلى الشباك قبل أن يزيح وجهه. بجانبه جلس رجل آخر بملامح آسيوية كان يجيد اللغة العربية وارتسمت علامات الحيرة وتحدث متسائلاً بالفصحى ليقول: «متى سنخرج من هنا».


في جماعية ثالثة مكتظة ظهر رجل طويل بلحية غير مهذبة وشعر أشعث كثيف يبدو أنه روسي الجنسية من ملامح وجهه، كان يلبس سترة مصنوعة من أغطية السجن قال بمفردات عربية صعب فهمها إن ظروف احتجازه «صعبة للغاية، وأنه لا يرى الشمس». حاول الوقوف أمام الطاقة لعدم مشاهدة ما في الداخل، سرعان ما ذهب إلى مكان آخر. وبحسب حراس السجن، يخرج هؤلاء في كل أسبوع مرة واحدة ولمدة ساعة لساحة مخصصة للترويض.

ومنشأة الحسكة من بين سبعة سجون في شمال شرقي سورية، خاضعة لحراسة «قوات سوريا الديمقراطية»، تبلغ نفقاتها آلاف الدولارات من طعام وطبابة وأجور الحراس والقائمين عليها، وهي تكلفة باهظة تدفعها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، بعدما رفضت معظم الدول والحكومات الغربية والعربية حسم الملف واستعادة رعاياها ومقاضاتهم لديها.

وبحسب مسؤولي «الإدارة الذاتية لشمال شرقي» سورية يقبع في السجون حالياً قرابة 12 ألف مسلح كان ينتمي إلى التنظيم المتطرف، من بينهم 800 مسلح يتحدر من 54 جنسية غربية، ومنهم ألف مقاتل من بلدان الشرق الأوسط على رأسها تركيا وروسيا أو شمال أفريقيا ودول آسيوية، بالإضافة إلى 1200 مسلح منحدر من دول عربية أكثرهم قدموا من تونس والمغرب، ويبلغ عدد العراقيين نحو 4 آلاف أما الباقي من الجنسية السورية.

ومدينة الحسكة منقسمة السيطرة؛ حيث تسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» جنوب السجن وشرقه وشماله، كما أنشأت القوات الأميركية المنتشرة بسورية قاعدة عسكرية على بعد أمتار من السجن، فيما تبعد قوات الحكومة السورية المدعومة بطائرات حربية روسية خمسة كيلومترات فقط من جهة الغرب وتبسط سيطرتها على مربع أمني بالمركز.

وبحسب إدارة السجن لم يسبق لهؤلاء المحتجزين الخضوع لعمليات استجواب أو تقديمهم لمحاكم، وهم منقطعون عن العالم الخارجي والتطورات الميدانية التي شهدتها المنطقة خلال العام الماضي، ويخضع السجن لمراقبة على مدار 24 ساعة من خلال تفقدهم ومراقبتهم بالكاميرات.

وطالب سجين بلجيكي وآخر ألماني من أصول سورية تسليمهما إلى حكومتيهما حيث تحظر فيهما أحكام الإعدام، خلافاً لدول مثل العراق، وقال الأول: «على حكومتي إعادتي ومحاكمتي أمام قضاء بلدي». أما السجين الثاني فقد أشار إلى أنه سلم نفسه برغبته وادعى أنه لم يكن مقاتلاً: «لقد قمت بتسليم نفسي وأتحمل العواقب، كنت مدنيا أعيش في تلك المناطق»، في إشارة إلى مناطق سيطرة التنظيم قبل القضاء عليها بمارس 2019.

وشاهد موفد جريدة «الشرق الأوسط» شريط فيديو سُجل قبل شهر التقطته كاميرات المراقبة بالسجن، تظهر محاولة عشرات المعتقلين الاستعصاء واحتجاز حراس السجن عبر خدعهم بمرض أحدهم، إلا أن القوات الخاصة تدخلت سريعاً وعالجت الأمر دون وقوع أي ضحايا أو استمرار حالة العصيان.

وقالت إدارة السجن إن القوات الخاصة تدخلت واستخدمت الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع لإعادة النظام، وتمكنت من السيطرة على الوضع وتحرير الرهائن، وأشاروا إلى أن المنشأة تنقصها الكثير من المرافق وأنظمة المراقبة ولا يزال قيد الترميم والإنشاء.

وتخشى السلطات الكردية و«قوات سوريا الديمقراطية» في حال تعرضت باقي المناطق الواقعة تحت سيطرتها للهجمات التركية، والتي تؤوي عدداً من السجون ومراكز الاحتجاز فرار هؤلاء المتطرفين، وبواعث هذا التخوف مرده لوجودهم في أبنية غير «منضبطة أمنياً»، ووقوع حوادث اعتداء وفوضى كتلك التي وقعت في مخيم الهول شرق سوريا، والأخير يعد أكبر المخيمات التي يقطن فيها آلاف من نساء وأطفال التنظيم على مدار السنة الأخيرة.



 

«داعشي» مصاب يسير في مستشفى سجن الحسكة (الشرق الأوسط)
مهجع

شاهد أيضاً

حروب الصورة والوردة الإسرائيلية

لا حدود لمظاهر الانحياز الفاضح للرواية الإسرائيلية ولجيش الاحتلال الإسرائيلي لدى كبريات وسائل الإعلام الغربية المقروءة والمسموعة والمرئية على حدّ سواء؛ خاصة تلك التي تزعم عراقة في التأسيس والتقاليد والمهنية العالية (مثل الـBBC البريطانية)، والكفاءة التكنولوجية الفائقة في مختلف جوانب التغطية المباشرة أو عن بُعد (مثل الـCNN الأمريكية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *